تغيير مصطلح الصرع: ضرورة ملحة

الصرع هو اضطراب عصبي مزمن يتمثل في حدوث نوبات متكررة غير مبررة. تعتبر هذه الحالة من أكثر الأمراض العصبية شيوعًا في جميع أنحاء العالم، حيث يصيب ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والثقافات. وعلى الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي شهدته الطب في العقدين الأخيرين، لا يزال المجتمع الطبي والاجتماعي يتعامل مع المصطلح والسمعة المرتبطة بالصرع على أنهما متأثران بالكثير من المفاهيم الخاطئة والوصمات التي تساهم في تهميش المرضى ومضاعفة معاناتهم. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل حان الوقت لتغيير المصطلح وتبني مسميات أكثر دقة وإنسانية؟

1. تعريف الصرع وأسبابه

الصرع هو حالة عصبية تتسبب في حدوث نوبات متكررة نتيجة لاضطراب في النشاط الكهربائي للدماغ. النوبات يمكن أن تظهر على شكل فقدان الوعي، التشنجات، حركات غير إرادية في الجسم، أو اضطراب في الإدراك الحسي. تكمن الأسباب الرئيسية للصرع في مشكلات قد تحدث في الدماغ نتيجة لعدة عوامل، منها الوراثة، إصابات الرأس، الأمراض التي تؤثر على الدماغ مثل الأورام الدماغية أو التهاب الدماغ، بالإضافة إلى التغيرات الكيميائية أو الهيكلية في الدماغ.

على الرغم من أن العديد من الحالات يمكن علاجها باستخدام الأدوية أو الجراحة، فإن البعض يعاني من النوبات بشكل مستمر، ما يسبب تحديات كبيرة في حياتهم اليومية. هذه النوبات لا تؤثر فقط على الجوانب الصحية للمريض، بل تمتد أيضًا إلى جوانب نفسية واجتماعية تؤثر بشكل كبير على نوعية حياتهم.

2. المصطلح الحالي وارتباطه بالوصمة الاجتماعية

مصطلح “الصرع” يعد من المصطلحات التي ترافقها العديد من المفاهيم الخاطئة والوصمات. يعتبر العديد من الناس أن الصرع هو حالة ناتجة عن ضعف عقلي أو خلل في الشخص نفسه، مما يعزز الانطباع الخاطئ بأن المريض يعاني من مشكلات نفسية أو عقلية. في العديد من الثقافات، لا يزال هناك اعتقاد خاطئ أن الأشخاص المصابين بالصرع هم أشخاص غير قادرين على تحمل المسؤولية أو تقديم إسهامات إيجابية في المجتمع.

تساهم هذه النظرة السلبية في خلق بيئة من الخوف والتمييز تجاه المصابين بالصرع، مما يجعلهم يتجنبون الخوض في حياتهم المهنية أو الاجتماعية خوفًا من أن يتم تصنيفهم على أنهم غير مؤهلين أو أقل قيمة. في بعض الأحيان، يواجه المرضى صعوبة في إيجاد وظائف أو التأقلم في المجتمع بسبب التصورات السلبية المرتبطة بالمرض.

3. الحاجة إلى تغيير المصطلح

إن إعادة النظر في مصطلح “الصرع” وإعادة صياغة الطريقة التي ننظر بها إلى هذا الاضطراب أصبحت ضرورية في ظل التقدم العلمي المستمر. فالمصطلح نفسه يحمل عبئًا من التصورات القديمة، التي تقيد فهمنا للأسباب الحقيقية للمرض ولطريقة علاجه. في هذا السياق، بات من الضروري النظر في الخيارات التالية:

أ. المصطلح الطبي الأكثر دقة

قد تكون الكلمة الأكثر دقة من الناحية الطبية هي “الاضطراب العصبي المزمن” أو “التشوش الكهربائي الدماغي”. هذه المصطلحات لا تحمل طابعًا سلبيًا أو وصمة اجتماعية قد تضر بالمريض، بل تركز على الطبيعة العلمية والطبية للمرض. وتساهم هذه المصطلحات في فصل الشخص عن الحالة التي يعاني منها، مما يعني أن المريض لا يُحكم عليه من خلال صرعه بل يُنظر إليه كشخص يعاني من اضطراب يمكن السيطرة عليه بالعلاج والرعاية المناسبة.

ب. المصطلح الإنساني والشخصي

من جانب آخر، يعتبر استخدام مصطلح “الشخص المصاب بالصرع” أو “شخص يعاني من نوبات” أكثر دقة من الناحية الإنسانية. فمن المهم أن يتم التركيز على إنسانية المريض، بعيدًا عن التوصيفات السلبية التي قد تنشأ عن المصطلحات القديمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم هذه التسمية في تعزيز حقوق المرضى ومساواتهم بالآخرين في مجالات العمل والمجتمع.

4. تأثير المصطلحات البديلة على الوعي العام

تغيير المصطلحات قد لا يقتصر فقط على المريض نفسه بل يمتد إلى المجتمع ككل. إن استخدام لغة أكثر دقة وإنسانية قد يساهم في إزالة الحواجز النفسية والاجتماعية التي تحول دون التعامل مع المصابين بالصرع. في الوقت الذي تسعى فيه الكثير من المجتمعات إلى تعزيز الوعي بالتنوع والقبول الاجتماعي، فإن استخدام مصطلحات جديدة قد يساهم في تحقيق هذا الهدف.

علاوة على ذلك، قد تسهم هذه المصطلحات في تعزيز البحث العلمي بشكل أكبر، مما يساعد على تحسين طرق التشخيص والعلاج بشكل أكثر فعالية. عندما نبدأ في تبني لغة تبتعد عن الوصمة وتقدم الفهم الطبي الصحيح، فإننا نفتح المجال لاستكشاف سبل علاج جديدة قد تكون أكثر فعالية في معالجة الاضطرابات العصبية المختلفة.

5. أهمية دعم المرضى وتقديم التوعية الصحيحة

إلى جانب تغيير المصطلحات، يجب أن يترافق هذا مع جهود مستمرة في توعية المجتمع وتقديم الدعم اللازم للأشخاص المصابين بالصرع. التثقيف هو جزء أساسي من عملية تقليل الوصمة الاجتماعية وتحسين حياة المرضى. فبمجرد أن يتعرف المجتمع على الحقائق المتعلقة بالصرع، وأنه اضطراب عصبي مثل أي مرض آخر يمكن أن يصيب أي شخص بغض النظر عن العمر أو الخلفية الاجتماعية، سينخفض الخوف والتوتر المرتبط بالمرض.

يمكن أن تتضمن برامج التوعية محاضرات أو ورش عمل تعليمية تهدف إلى تقديم الفهم الصحيح للصرع وأسبابه وعلاجاته. هذه البرامج ستعزز أيضًا الدعم النفسي للمصابين بالصرع، مما يشجعهم على التحدث عن معاناتهم دون خوف من أن يتم تحقيرهم أو تهميشهم.

6. جهود عالمية للتغيير

بدأت العديد من المنظمات الصحية العالمية بالفعل في تبني مصطلحات أكثر إيجابية للصرع. على سبيل المثال، قامت منظمة الصحة العالمية (WHO) بتحديث إرشاداتها بخصوص الصرع، مشيرة إلى أهمية تفادي الاستخدام الخاطئ للمصطلحات التي قد تؤدي إلى وصمة اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل العديد من الجمعيات المحلية والدولية على تغيير التصورات السلبية المرتبطة بالمرض عن طريق حملات إعلامية تستهدف رفع مستوى الوعي وتغيير الأنماط السلوكية تجاه المصابين.

7. الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا

مع تزايد الدعم العلمي والمجتمعي لتحسين حياة الأشخاص المصابين بالصرع، فإن هناك أملًا في أن تتمكن المجتمعات من تجاوز الموروثات الثقافية السلبية. يتطلب ذلك جهدًا جماعيًا من الأطباء، الحكومات، وسائل الإعلام، والمجتمع المدني لخلق بيئة أكثر فهمًا وإنسانية. هذا يمكن أن يساهم في القضاء على الوصمة وتحسين فرص المصابين في الحياة الاجتماعية والمهنية.

إن تغيير المصطلحات لا يعني فقط تعديل اللغة، بل هو بداية لتحسين الوضع الاجتماعي والنفسي للمرضى، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي لدى الجميع حول الحقيقة العلمية للصرع وكيفية العيش معه بشكل طبيعي.